Pages

Tuesday, August 5, 2008

وداعا ابى مرة اخرى

"يا بتاع الروبابيكيا اطلع هنا شوية"
فى يوم مثل كل يوم قررنا ان نمسح ذاكرتنا قطعة قطعة
كنا بدأنا هذا الجهاد المقدس بالتخلص من أشياء والدى
ولكن الذكريات الكثيرة التى تملآ المكان مازالت المنتصرة وعلينا هزيمتها
المعركة مع الذكريات معركة مؤلمة اشد الألم
معركة مع فكرة او صورة .. لا يمكن الانتصار فيها ابدا
"نعمين يا هانم .. فيه قاعدة غسالة؟ ثلاجة قديمة؟ بوتاجاز قديم؟"
"لالا . . بص فيه الحاجات دى . تنفع؟"
نظر ماسح الذكريات الى قطع امامه ولم يفهم شيئأ
"ايه ده يا هانم لامؤاخذة؟"
"دى تايبرايتر .. اسفة اقصد آلة كاتبة .. دى من برة ودى كمان دى مكنسة بالكهربا ألمانى من برة ... ودول شوية صوانى صاج قديمة"
"ايوة يعنى دى بتاعة ايه؟"
ماسح الذكريات بدأ يضغط على اوتار الاحساس بالذنب
كيف يا جاهل لا تعلم ماهى الآلة الكاتبة؟ الم ترها من قبل؟
"هه يا هانم ؟ بيعملوا بيها ايه؟"
"بيكتبوا بيها .. قبل ما يطلع الكمبيوتر كانوا بيكتبوا فيها"
"بس يا هانم دى علبة ..... اقصدى يعنى ... "
"اه فهمتك .. دى آلة كاتبة المانى وكانت احدث موديل علشان كده شكلها صغير شوية"
ضغطت على ازرار جانبية فمال الغطاء الابيض النقى للخلف لتظهر ازرار الآلة الكاتبة
بهر ماسح الذكريات قليلا من العلبة السحرية ثم عاود حالة البله مرة اخرى
"بس يا هانم دى ماحدش بيستعملها دلوقتى"
"امال يعنى لو كنت باستعملها حابيعها ليه؟"
"طب يا هانم ماحدش حياخدها منى؟ مفيش عندك قاعدة غسالة؟ ثلاجة قديمة؟ بوتاجاز قديم؟"
اذا علم الناس قيمة هذه الآلة الكاتبة لاشتروها
كم من ذكريات تحيط بها
"هو ده اللى عندى .. حتاخده ولا لا؟"
"ودى عايزة فيها كام يا هانم؟"
كام !!!!!!! اريدك ان تدفع لى الليالى الطوال التى سهر عليها ابى وهى يكتب عليها رسالة الدكتوراة
اريدك ان تدفع لى عدد المرات التى كنت اجلس عليها اعبث بازرارها عندما كان ابى يقوم من على مكتبه
..............
مشهد بالابيض والاسود جال بخاطرى عندما كنت اجرى نحو مكتب ابى واقف على كرسيه والبس نظارته وامسك قلمه واشخبط فى ورقه ثم ادوس على الازرار واستمتع بصوت التكتكة الى ان ياتى ابى وينقذ الآلة من عبثى وهو يضحك
لما تكبرى انتى كمان اعملى زى وذاكرى علشان تبقى دكتورة وحاجيبلك ماكنة تبقى بتاعتك لوحدك
................
اريدك ان تدفع لى الصور التى اخذها لى ابى وانا اجلس عليها اتقمص شخصيته وهو يكتب
......
كان ابى يهوى التقاط الصور الحقيقية التى لا يمثل الناس فيها الابتسام
عندما رآنى ابى اتقمصه هرع الى كاميرته ليصورنى
صورتى وانا البس نظارة ابى التى تملا وجهى كله وانا امسك قلمه واسند على ازرار الماكينة فى البوم ذكرياتى التى اعود اليه كثيرا
هذه هى الآلة التى كنت اعبث بها
............
اريدك ان تدفع لى جزء جميل من ذكرياتى ابيعه بيدى
هذه الآلة عمرها مثل عمرى ولكنها انقى منى
فلا تحمل الا لمسات ابى واثار حبر حروفه على رسائله العلمية
اما انا فاحمل كل الاحباطات والالم التى فرضت علىّ
"يا هانم !!!! "
"نعم"
لماذا اصرخ به؟
هل هو المسئول عن قرارى بمسح ذكرياتى
"كام؟"
"معرفش قول انت"
"25 جنية"
"نعم!!!!!!!!!!!!! باقولك ماكينة المانى وبعدين انت مش شايف الماكنة نضيفة ازاى دى كانها جديدة"
"ايوة يا هانم بس ماحدش بيستعملها"
كيف اشرح له ان هذه الآلة هى الآلة التى كان يستخدمها المتخصصون لكتابة رسائلهم العلمية
كيف اشرح له ان من كان يملك آلة كاتبة فى منزله كان كمن يمتلك سيارة
بعد طول عناء وحوار مماثل لبيع المكنسة والصوانى
دفع ماسح الذكريات 70 جنية لشراء حوالى عشر سنوات من عمرنا
عندما اغلق ماسح الذكريات غطاء الآلة واستعد للرحيل كدت اصرخ متراجعة عن البيع
آلة صماء لم استخدمها فعلا فى حياتى اشعر بارتباط مرضى بها
اشعر انى اقول لابى وداعا مرة اخرى