Pages

Tuesday, May 3, 2011

مسح الكربون


بدوت سعيدا عندما رأيتك معها أمس، لا تشبهنى ولكنها تناسبك تماما. أنا لم أتخطاك بعد. بل ربما تخطيتك ولكنى قررت ألا أعيد التجربة أبدا. تعلمت من خطأى.
عندما أتيت لم تفسح لى لأجلس بجانبك كما كنت تفعل دائما وتجاهلتنى تماما. أتفهم هذا طبعا. فى وسط هذه المجموعة من الأصدقاء حيث يعرف الجميع عنا كل شىء لم يندهش أحد لتصرفك سواى. وكأنى ارفض التنازل عنك لها.
أنا من قررت النهاية ولكنى أريدك دائما مربوطا بحبل طرفه بيدى. كلا لاأقصد ان أهينك ولكنى دوما سأراك ملكى.
لقد عرفت الحب معى لأول مرة ويقولون ان الحب الأول لا يُنسى أبدا. نيرمين تعتقد انى مازلت أحبك مهما أنكرت. حتى حسام يؤكد ذلك. وأنا أبتسم عندما أسمعهم. حمقى.
لقد قررت ان أكون حرة منك. لا يفهمون مساكين.
لا أنوى ان أهدر جهدى فى شرح ما حدث لهما أو لأى شخص. ولكن أتدرى؟ ربما يوما ما أحكى لزوجتك عما حدث حتى تتوقف عن تلك السخافات التى تفعلها كلما تواجدنا معا فى نفس المكان.
أمس ظلت تتكلم عن ابنكما كى تقول لى انها من نجحت فى ان تصير أم أولادك، انها من أعطتك اثبات لحب لم أعطه أنا لك. تفكيرها الساذج يصيبنى بالغثيان.
كلما أتى أو ذهب فرد من المجموعة ألمحها بطرف عينى فى وسط الهرجلة تتفحصنى بدقة. لقد استمتعت حقا بالضغط على أعصابها أمس عندما كنت أتكلم عن نفسى أمام الجميع. وعن حياتى الناجحة بدونك. لقد لمحت فى عينيك نظرة كهربتنى. هل كنت تتوقع ان أموت بدونك مثلا؟ أو أن أظل أبكى أطلال قصة الحب الضائع الى اخر الدهر؟
لقد تخطيتك منذ زمن. تخطيتك وقررت ان أعيش بدون أشباهك فى حياتى.
أميرة الوحيدة التى كانت تدرك التوتر الناتج من وجودى مع زوجتك على نفس الطاولة. همست فى أذنى راجية ألا ألعب بالنار. وأخبرتها انى سألتزم الأدب طالما التزمت زوجتك الصمت ولكنها لم تفعل. أنا لم أخطىء فى شىء بالمرة.
عندما سألنى أكرم ان كانت شائعة ارتباطى بهيثم حقيقية لمحت العروق بصدغك وهى تنتفض. لم تنسنى اذن ولم تتخطانى كما تخطيتك. انها اللحظة التى ضخمت كبريائى وأرضت غرورى. ولهذا تعمدت الا أرد بسرعة. كنت أريد ان استمتع باللحظة لأطول قدر ممكن.
هيثم لم يملأ اذنى بسخافات الحب الذى لا يقهره شىء مثلما كنت تفعل كل ليلة ولكنه طلب منى الزواج مباشرة. يختلف عنك بالتأكيد. يعبر عن نفسه بشكل أكثر رجولة وقوة ولا يأبه بأحد. ورغم مثاليته الا انى رفضت. فى أعماقى اشعر بالندم لرفضه. ولكنى لم أجرؤ على ان أعيش حياتى مع شخص يعرفك.
سيظل ظلك فى حياتى دائما وأنا أريد البعد عن كل ما يذكرنى بك. لقد تخطيتك تماما ولا يبدو من المناسب ان أظل فى مجرتك.
أعتقد ان هيثم فهم اسبابى رغم انى لم أصرح له بها. فقد قال لى انه سينتقل لدولة عربية بعد 4 أشهر. ثم مضى وتركنى لأفكارى.
لا أريد ان أهرب من هنا ولا اريد ان أتعثر فيك كلما خطوت خطوة. حياتى الآن بدونك فى منتهى السهولة. أنا أعلم تماما ما أريده وأعلم تماما كيف أحصل عليه.
معك كنت أهرب من نفسى باستمرار. أو ربما الأدق كنت لا أجد نفسى. كنت أتغير حتى ترضى ولكنك لم ترض أبدا. كورقة تقع أسفل كربون باهت أمضيت شهور من عمرى، لا انا صورتك ولا انا نفسى.
الآن مسحت آثارك من على سطح نفسى واسترجعت صورتى القديمة، لقد افتقدتها. بعد ان رأيت زوجتك أمس فهمت لماذا استمرت علاقتكما. لم أرى شخصا جديدا بل صورة تركيب منك. فلتهنأ بها.
عجيب هيثم هذا !! كلما تكلمت معه كلما زاد اعجابى بنفسى وبه. لا يفتعل المجاملات ولا يشدو بجمل حب ركيكة ولكنه يقول لى ببساطة انه يحبنى ويريدنى. فقط ذلك. يرانى جميلة ويحب ان يسمعنى اتكلم. انتظرت منه ان يقرر لى الخطوط الحمراء والاشياء التى يرفضها وما الى ذلك ولكنه لم يفعل.
ينتظر منى ردا قبل سفره ولا أدرى ماذا أقول. يطلب منى ان اعيد التفكير فى عرضه. قبل لقاء الامس ربما كان لدى بواقى مشاعر مركونة لك فى حفرة اسفل قلبى ولكنها اختفت بعد ان رايتك مع زوجتك. لاول مرة افكر فى هيثم ويراودنى خاطر ان وجوده معى فى وسط هذا الجمع كان سيسعدنى كثيرا.
فى لحظة معينة نظرت للسماء وكانت صافية والنجوم تتلألأ وكانت الأزهار والورود حول الطاولة تشد بصرى بعيدا عنكم جميعا وكأن الكون يتآمر برومانسيته على قلبى حتى يخضع للحب. احب هذا المكان المفتوح ولكنه يرهق مشاعرى بروعته. فى تلك اللحظة تمنيت لأول مرة فى حياتى ان انتمى لهيثم. فى وسط تلك الطبيعة الخلابة لا يمكن التفكير الا فى شخص يرقى لمستواها شخص بنفس القوة ونفس الرقة. كنت تجلس معى وآخرون على نفس الطاولة ولكنى لم أشعر بأى منكم وخدعتنى أذنى اذ اعتقدت انى اسمع اسمى كما يناديه هيثم. ينطقه بلطف وبهدوء ودائما عينه فى عينى.
تظن زوجتك انى اتعالى عليها عندما لم ارد على سؤالها الحقيقة انى لم اسمع. كان صوت هيثم فى أذنى لحظتها وانشغلت به. حتى باقى الأصدقاء لامونى ولكنى لم ارد الشرح فلن يفهموا.
منذ ان عدت للمنزل أمس وانا لا افكر الا فيك. كيف كنت اراك؟ ولماذا تركت نفسى لأكون شبه أنا؟
رغم صعوبة لقاء امس الا اننى يجب ان اشكرك على ترتيبه. علك كنت تقصد الانتقام منى بوضعى على طاولة واحدة مع زوجتك ولكنك انتقمت من نفسك. ندمت على المجهود الذى صرفته لتخطيك فى شهور فكل ما كنت احتاجه فى الحقيقة هو انا اراك مرة اخرى لأفهم.
أعلم الآن ما أريد ومن أريد ولماذا.

Monday, May 2, 2011

صور القطار

على رصيف القطار بمحطة سيدى جابر وقف شادى مرتعشا وهو يرى القطار القادم من محطة مصر ومتجه للقاهرة. رصيف المحطة الأصلى مختبىء تحت الخيمة العملاقة. اعمال التجديد والتطوير بدأت منذ شهور ولا يبدو انها اقتربت من نهايتها. كان على ادارة المحطة ان توجد بديل فمدت الارصفة لخارج المحطة حتى تنتهى عمليات الترميم. ولكن الارصفة الجديدة اقصر من القطار نفسه. كان شادى يحمل تذكرته بيده وعيناه على العربة الثامنة بالقطار التى كانت تقف بعد الرصيف. الحل الوحيد للوصول لها هو ركوب العربة السادسة للقطار والسير بداخله الى ان يصل لمقعده.
تكالبت الناس على باب العربة السادسة وظهر بعض التوتر بين الناس على المحطة. خشى شادى ان يبدأ القطار فى التحرك وهو مازال على الرصيف. قفز الرجل الضخم الذى كان يقف امامه بداخل القطار فافسح المجال امام شادى ليرى الفرق بين الرصيف والقطار. بدا له ان الرصيف ابعد من الطبيعى ولثانية اصابه هاجس ان قدمه ستنزلق بين القطار والرصيف وسيقع. مد بصره لأعلى حتى لا يرى الهوة وقفز لداخل القطار.
صور كثيرة تأتى زاحفة من ركن مظلم فى الذاكرة احيانا لتطارد شادى كما تفعل مع الكثير. صور بالابيض والاسود وبلا صوت لكنها حية وتنبض لا تموت ولا يمكن توقع ميعاد ظهورها.
*********
الصورة الاولى حفرة كبيرة وهو يقف على حافتها. كان شادى واسرته فى زيارة لاحد الاقارب فى ابو قير وكان عليهم ان يستقلوا قطار ابوقير ولكن المحطة لسوء الحظ كانت تحت الاصلاح ايضا وكانت اجزاء كثيرة من الرصيف مهدودة ويعاد صبها من جديد.
عندما توقف القطار كان شادى يجرى من القطار لينزل منه اولا وعندما هم بالقفز امسكه ابوه من كتفه بالقوة واعاده لداخل القطار. كان شادى على وشك ان يسقط فى حفرة تتعدى المتر عمقا. نظر شادى للحفرة وفزع وامسك بيد ابيه بقوة. قال الاب: علينا ان نتجه للباب الاخر قبل ان يبدأ القطار فى التحرك .. هيا بنا
اتجهت الاسرة كلها للباب الاخر وما ان هبط شادى من القطار حتى تحرك. نظر شادى خلفه فلم يرى احدا معه على الرصيف من اسرته. 
*********
سار بين الكراسى وهو يتصبب عرقا ويتخبط يمينا ويسارا فى الجالسين. وما ان جلس على مقعده حتى بدأ يتنفس مرة أخرى بعد ان كانت انفاسه محبوسة. مد قدميه امامه وحاول ان يسترخى. فقد شعر ببعض الرعشة فى ركبتيه.
فى خلال دقائق كان شادى قد هدأ وبدأ فى النسيان. وفى محطة رمسيس نزل من القطار بكل هدوء وكأن شيئا لم يكن.
يضطر شادى مرة فى الاسبوع للسفر للقاهرة لينهى اعماله. دائما ما يركب القطار ويفضله عن الاتوبيس الذى ينزعج لضيقه.
فى نهاية اليوم اتجه شادى لرمسيس وركب قطار العودة للاسكندرية وغفا قليلا. فى طنطا صعد بائع الحلاوة وأمضى وقت طويل فى الفصال مع احدى السيدات وبدا القطار فى التحرك وهو مازال على متنها ارتعب شادى من فكرة ان البائع سيقفز من القطار وهو 
يتحرك. وظل يتابعه من الشباك ولكن البائع الذى يقفز من القطار كل يوم عشرات المرات لم يصب بسوء.
*********
الصورة الثانية صورة امه وهى تصرخ والقطار يتحرك. بعد ان نزل شادى التفت خلفه ونظر للقطار فرأى امه تتشبث بالباب وهى تصرخ به: لا تتحرك .. لا تتحرك .. سننزل فى المحطة المقبلة ونرجع لك .. لا تتحرك .. لا تتحرك
*********
تنبه شادى الى ان للمرة الثانية يجلس فى العربة الثامنة التى لا تصل للرصيف وعليه هذه المرة ان ينزل من القطار من باب العربة السادسة او ربما يقفز من الباب الى الارض ليكسر قدميه. لم يستطع ان يغمض عينيه وركز نظره على الشباك لعله ينشغل بما يراه ولكنه لم يستطع رؤية شيئا فالليل خارج القطار حول كل المشاهد الى خيالات تتحرك امامه بسرعة دون ان ينتبه لتفاصيلها.
*********
الصورة الثالثة صورة لا يرى فيها احدا او شيئا .. صورة غائمة كضباب كثيف. يرى نفسه يقف فى مكان لا يرى ابعاده ملىء بأناس لا يرى وجوههم ولكنه يشعر فقط بخوفه. فى الصورة الثالثة كان لا يرى شيئا ملموسا ولكنه يرى فزع يحيطه ككيس هوائى ضخم لا يستطيع قطعه. عندما تحرك القطار واصبح شادى وحيدا على الرصيف لم يفكر فى شىء ولم يتذكر سوى القصص التى كان يسمعها عن الاطفال الذين يخطفهم الحرامية. بدأ يعد لعشرة ثم لخمسين ثم لمائة وتوقف. كان يشعر بدقات قلبه ويكاد يسمعها. بدا يشك فى ان ابيه وامه نسياه او ان المحطة التالية ستكون فى مدينة اخرى خارج الاسكندرية.
*********
وصل القطار للاسكندرية مرة أخرى وبدأ الجميع فى الوقوف والاتجاه لباب العربة، حاول شادى ان يسرع ليسير فى القطار حتى العربة السادسة وينزل منها قبل ان يتحرك القطار ويتجه لمحطة مصر لكن جميع الركاب كانوا متراصين امام الباب فى هدوء ولم يحاول احدهم الجرى نحو العربة السادسة مثله.
*********
الصورة الرابعة صورة وجه امه فى وسط زحام، بعد فترة طويلة من الانتظار سمع شادى صوت ابيه يناديه تلفت حوله لم يرى ابيه ولكنه رأى امه تقف خارج المحطة تلهث وتنظر له بقلق، بدأ يجرى نحوها دون ان ينتبه الى اين يجرى، وقبل ان يقع من الرصيف امسك بكتفه كف قوى وحماه من السقوط. نظر خلفه ليرى ابيه. وضع شادى كفه الصغير فى كف ابيه الكبير طول الليل، لم يترك يد ابيه حتى ذهب لسريره لينام. طوال الليل كان شادى ممسكا بابيه بيد وبأمه بأخرى. كانت اكبر وقوى يد لمسها شادى او هكذا احس.
*********
توقف القطار فى محطة سيدى جابر ونزل الجميع، اغمض شادى عينيه قبل ان ينزل من القطار وقفز، ما ان لامست قدميه ارض المحطة حتى اسرع الخطى لشباك التذاكر. يفضل شادى دائما ان يحجز لرحلته القاهرية التالية قبلها بوقت كاف.
أمام الشباك: واحد القاهرة الاثنين اللى جاى الساعة 9 بس مايكونش فى عربية 8 لو سمحت