Pages

Thursday, July 8, 2010

100 زهرة لا تذبل

بعد ان ينام كل من بالبيت، تظل هى مستيقظة. الحقيقة انها لا تنام ابدا رغم ما يعتقده الجميع. تغلق عينيها لانها احد عضوين تستطيع التحكم فيهما. وهذا ما تستطيع فعله لتنسحب.
فمها وعينيها فقط ما يتحركان فى كل هذا الجسم الممدد.
هناك سجناء الزنازين وهناك هى سجينة الجسد. جسدها اضيق واصعب زنزانة. لا يمكنها الخروج او الدخول او حتى التمشية فى تلك الزنزانة.
الأسر بدء عندما صدمتها سيارة يقودها طائش يلعب الاتارى بسيارته الفارهة. هرب وتركها محبوسة فى تلك الزنزانة .
السجين يمد يده ليأكل، ليغطى نفسه، ليرفع عن نفسه الغطاء، ليغسل وجهه. السجين لا يحتاج مساعدة فى الحمام. اما هى فمحرومة من تلك الحريات البسيطة. تلك الحريات التى لا نراها ولا نشعر بها.
هناك آخرون ينتهكونها بدعوى الحب يوميا. يضعوا الطعام فى فمها حتى وان لم تستسيغه، يخلعوا عنها ملابسها ويغطوها بملابس اخرى، يغسلونها ويساعدونها فى الفعل البسيط الطبيعى الذى نقوم به يوميا عدة مرات. لا تشعر بجسمها فلا تستطيع الحكم على من يلمسها بحب ومن يتحرش بأعضائها. ولكنها بعينيها ترى عين الآخر وبأذنها تسمع همساته.
تعبر عن رفضها وغضبها بالصراخ والسباب ولكن لم يعد احد يكترث. بعد فترة لم يعد احد يكلمها او يسمعها. اصبح المحيطون بها يتعاملون معها كدمية. تُرفع وتُوضع وتُنقل دون حتى استئذانها.
سجنها يضيق أكثر وأكثر ومع الوقت انسحبوا هم ايضا عن عالمها الواعى. تسمعهم يجلسون فى الحجرات الأخرى يتكلمون عنها بإشفاق ولكن لا يأتى احدهم ليتكلم معها بضع دقائق كل يوم.
بعض العجائز من الاقارب كانوا يعذبوها بحكايات المعجزات أو التقدم العلمى المذهل بدعوى الأمل. من يبيع الوهم ليائس .. مجرم. أذناها مغلقتان ولكن عيناها كانت تتفحصهم وتضعهم فى مكان اخر فى سجن ببدلة الاعدام. وعقلها الذى لا يهدأ كان يرسم الحلم الجديد، حلم تكون فيه عشماوى.
كان الخلاص من سجنها له طريق واحد فقط .. الموت. لم تفكر فى هذا الخيار لانها ببساطة لا تقوى على تنفيذه. كل أعضائها تركوها وماتوا قبلها. كل أعضائها دُفنوا فى الماضى وبقيت هى سجينة للحاضر.
منعوا عنها الأطفال حتى لا يزعجوها والأصدقاء حتى لا يشفقوا عليها. منعوا عنها الجيران حتى لا يتسلوا بمآساتها والزملاء حتى لا يشمتوا بها. منعوا عنها الجميع حتى لا يجرحوها.
نقلوها من أمام النافذة كى لا تحرقها الشمس. أغلقوا النافذة كى لا تضايقها الضوضاء. وضعوها فى اخر غرفة بالمنزل كى تستطيع النوم الهادىء.
أى جرائم نصنعها بإسم الحب !!!!!!!!!!!
اليوم طويل وممل. سجن الجسد نقلها لسجون اخرى منها سجن الزمن. فكيف تخرج خارج اليوم. خارج الوقت الذى لا تريده الذى لا ينتهى.
لم تعلم ان الزمن هو الساحر الذى سيحولها لزهرة لا تذبل.
قررت لنفسها وسيلة للهروب لا يمكنهم منعها عنها. قررت ان تحلم. فحتى السجين يمكنه ان يحلم. حتى السجين من حقه ان يحلم.
اول حلم كانت طائر، لم تتوقف كثيرا فى تفاصيل نوعه وشكله وحجمه. المهم انه طائر. طائر فى غابة كبيرة. ينتقل من غصن لغصن ومن شجرة لاخرى. وعندما يسئم الشجر يرتفع للسحاب. يجاور النجوم ويغرق فى اشعة الشمس كل يوم.
ثانى حلم كانت نملة، بعد ان قضت اياما تراقب سرب نمل يتحرك من الشباك الى اسفل الدولاب. كنملة كانت تعمل وتتحرك ببطء ولكنها كانت محاطة بالنمل الآخرين. كانت فرد فى مجموعة لم تكن وحيدة.
أحلامها التالية رأت نفسها فيهم ملكة. تأمر وتنهى. ملكة لها مملكة كبيرة يحوطها الجنود دائما. يرفعونها على أكتافهم. لها عبيد وجوارى يخدمونها ولكنهم لا يلمسوها.
كانت ملكة قوية ولكن طيبة. فى كل أحلامها كان الملك يعشقها.
تخشب جسدها ونشف. امتد للأسفل واخترق أرضية المنزل وتشعب كجذور ممتدة. ومع كل حلم جديد كانت تنمو زهرة جديدة على الأرضية.
بعد عشرين ربيعا فتحوا الباب لم يجدوها ولكن كانت هناك 100 زهرة لا تذبل تملأ الغرفة.

No comments: